تلك التي عشتها يوما فكان أن تدفقت الكلمات لتصف المشهد كما هو بلا رتوش أو ألوان صناعيه ……لتصف تلك الساعه التي يكمن فيها كثير من الأسرار والتفاصيل والذكريات الحميمه…………..لتصف بديع خلق الله قدر الأمكان……….وهي التي لا زالت وستبقى تتكرر في اليوم مرتين لمن حالفه الحظ فعاشها وسط الريف حيث الحضور الكامل لآيات الله …..حيث زرقة السماء الصافيه وهدأة الأودية الساكنه وتغريد الطيور السعيده ……حيث الندى والمطر وغيم تشرين وريح الشمال البعيد تصنع الحكايه من البدايه وحتى النهايه………….
………تلك هي الساعه التي تسبق شروق الشمس وغروبها. …….فيها تشعر أن الكون كله يجثم على ركبتيه أمام الخالق العظيم ليأذن له بالحياة صباحا وبالسبات مساء……….في هذه الساعه تشعر أن ضوء الشمس يشكل الأشياء من حوله فتمتزج الألوان والظلال بتآلف عذب لطيف ….وفي كل دقيقه ومع حركة الشمس المستمره هناك مشهد جديد يتشكل فيما حولك بتناغم وسكون لا يوصف…….فهذه نبتة الشيح المتطامنه ألى الأرض وقد أخذت أوراقها لونا ذهبيا بفعل أشعة الشمس الغاربه في الأفق…… وذاك الجبل النائي في مدى البصر وقد غطى الظل الزاحف نصفه فيما بقي النصف الآخر ينتظر بحزن رحيل الضوء عن باقي أرجاءه……وتلك الغيمه الساربه مع الريح في جو السماء وقد بدأت تتلون بالنار والنور في طياتها الرقيقه الملتفه. ….وبظل تلك الغيمه وتحت بصرها يتهادى قطيع شياه بيضاء متطامنه ألى الأرض خلف صاحبها الراعي بعد أن غادرت أرض المرعى عائدة ألى أكنانها التي تعرف دربها جيدا……وبين الغيمه وقطيع الشياه وفي هذا الأثير الساحر الذي يفصل بينهما تسمع ألحانا سماويه لا يجيدها أي فنان على وجه الأرض……..أنها زقزقات طير القبره الصحراوي ذو الرأس المتوج وطائر الوروار المهاجر والزرزور وطائر أبو الحناء وبقية أعضاء الفرقه…..وما يزيد تلك الأصوات عذوبة هو أنغام الحداء التي يطلقها الراعي ليؤنس أغنامه التي ترد الجميل بأصوات نواقيسها الملتفه حول أعناقها. ………وكلها تتداخل فيما بينها دون أن يكون هناك ترتيب فيما بينها ولكن دون أن يكون هناك أي نشاز……بل أن أعظم الموسيقيين لا يستطيع أن يؤلف بين أعضاء فرقته كما يحصل بين مخلوقات الله تلك……..وأنك لتشعر في لحظات ساهمه شارده كأنك قد عانقت الغيم ولثمت الريح وتنشقت عبير الجنه في تلك الساعه………فوالله أني عشتها…..ووالله أني أشتاق لها……..ووالله أن خالق هذا الكون عظيم جدا جدا جدا………..وبعد………………(…….أليس صنع الله الذي أتقن كل شيء صنعه …..بلى وهو الخلاق العظيم )………….الغريب……..عماد.