.تبدأون صباحكم قبل الجميع فتستيقظون ملهوفين خشية التأخير…..تحاولون قدر الأستطاعه تجميع ما أمكنكم من روتين الصباح اليومي خلال فترة وجيزه….فالطريق ألى العمل، ألى الجامعه ،إلى مدارس الأبناء، إلى مقر عمل الزوجه طويييييل وصعب ومرهق……في عز الصيف ومع حرارة الشمس التي تلفح الوجوه باكرا يصطف المئات منكم على جنبات الطرق والجسور والدواوير أنتظارا لوسائل النقل العامه التي تأخذ في طريقها المزيد من الوقت والمزيد من التوتر والمزيد من الأرتباك تماما كما هو حال من يقود سيارته الخاصه…..وليس الشتاء بأفضل حالا لكنه أقل وطأة في تقديري (وأخف دم☺☺☺ )…………وهنا يوجد ملمح سيكولوجي مهم ومؤثر وبشكل غريب لا ينتبه له كثيرا…..أنه الوصول ألى ما يسمى حالة (الرهق العصبي أو الأرهاق العصبي المرادف لمصطلح الأرهاق البدني ) حيث تتعرض شبكة الأعصاب والأعضاء ألى أستثاره شديدة الوطأه أثناء رحلة الذهاب والعوده من وألى…..فالسائق أو الراكب يصرف ويستنزف مقدارا معتبرا من طاقته الحيويه والنفسيه والروحيه في أول النهار وفي بداية المشوار … ثم يتكرر الأمر في طريق العوده كما بدأه في الصباح………ويستمر النزيف في داخل كيان الأنسان عندما يصل لعمله بوجود عشرات المراجعين مختلفي الأمزجه والأهواء والأخلاق. ….وبوجود مسؤول مريض نفسيا أو مستبد أو لأيم تتضخم المعاناة وتتوتر الأعصاب من جديد في معركة يوميه لا يوقفها مجرد العوده للمنزل. …..فهناك أمور أخرى تستنزف طاقة الحياة وتسرق متعتها بالتدريج وبغير مقدره من الضحايا المساكين على ظبط أيقاع واقعهم المزدحم بالأشياء وبالأصوات وبالكائنات البشريه المأزومه وبالألوان الباهته لما حولهم من مظاهر الطبيعه وآياتها ناهيك عن ضعف حضورها في واقع من يسكنون المدن…….فالشمس بيضاء اللون، والسماء زرقاء بااااهته تغطيها سحب الدخان، وقطرات المطر الهاطله تختلط بغبار الأسفلت الأسود والهواء نفسه مختنق بالروائح المنبعثه من عوادم السيارات ودخان المصانع ومياه الصرف الصحي في الأحياء الشعبيه بالذات…………حتى الثلج عندما يهطل سرعان ما يذوب ألا في حالات نادره……………..وفي المقابل وعلى الضفة الأخرى صوت الريح الهادر…..رائحة تراب الأرض بعد أول شتوه في تشرين…..رؤية ثمار العنب والتين وهي تنضج رويدا رويدا……رائحة الأعشاب البريه عندما يزورها الندى في الصباح أو المساء فتنشرها النسمات في أرجاء السفوح والأوديه……حتى رائحة دخان النار التي يشعلها البدوي في بيت الشعر الجاثم على أعلى الربوه فيستنشقها من يرى النار ومن يراه من بعيد كعطر قادم من عالم الجان ….أنتم كذلك محرومون منها……..ليس كل طعام المطاعم الأمريكيه والغربيه عندكم بألذ من الزيت والزعتر المغمس بخبز القمح السااااخن الخارج من موقد الأم أو الزوجه في أول النهار ومعه كوب الشاي المنكه بالميرميه ……وليست كل أماكن لهو الأطفال ولعبهم عندكم بأمتع وأجمل وأروع من مساحات الأرض الترابيه الواسعه الممتده التي يلهو بين جنباتها أبناء الريف والقرى في عز الصيف أو حتى في برد الشتاء………وليست كل مهرجانات الغناء والفن بأجمل من صوت المطر وهزيع الريح ووقع حبات البرد فوق سطح الدار في كانون………….أعرف أنكم تعرفون جيدا أن خياركم بالبقاء تحكمه أعتبارات لا تستطيعون التحكم بها أو التخلص من قيودها المتينه…….وأعرف أن الطبيب والفنان والمغني والمسؤول وصاحب المنصب عندكم لن يحوز أكثر من شقه بأربعة جدران هي عالمه المتاح الذي يستطيع أن يلامسه ويداري ضجره فيه………….أما عند أولئك الذين يبعدون كثيرا عن المركز و يعيشون على الأطراف فهم يحوزون على المدى بجهاته الأربع……………هم في ضروريات الحياة قد يوازونكم شأنا…. فلديهم ما لديكم…………….أما في الحياة ذاتها فأرجو أن تسامحوني. ……………..فالفرق كبير والحديث في الأمر يطول……….الحديث يطول ………الغريب. ……عماد.